في القرن العاشر الميلادي اكتشف العرب جزيرة ما في المحيط الهندي، لكنهم لم يسكنوها وقرروا أنها غير ذات أهمية. فالجزر الواقعة في المحيط كانت تُسمى عربياً «بلاد الواق واق». ولم تكن في نظر العرب صالحة للسكن، أو هناك ما يستدعي الإقامة فيها. ثم بعد سنوات طويلة زار البرتغاليون تلك الجزيرة التي رسمها العرب في خرائطهم.
لم تكن تلك الزيارة البرتغالية اختيارية، بل عصفت الريح بإحدى السفن، فاضطرت لتغيير مسارها ولجأت إلى الجزيرة في نهاية الأمر. لذا كانوا يُطلقون عليها في ما بينهم جزيرة القديس سانتا أبولونيا، نسبة إلى القديس الذي دعوه كي ينقذهم من الإعصار البحري.
تتابعت سنوات وجود الهولنديين فيها، لكنه كان وجوداً عابراً غير رسمي. ومع اندثار ذكرى الإعصار الذي دفعهم لتسميتها جزيرة سانتا، أُطلق عليها اسم «موريشيوس»، نسبة إلى أحد الأمراء المهتمين بالسفن واكتشاف الجزر الأمير موريتس، ويُنطق باللاتينية موريشيوس. حتى أتى عام 1638 وقرر الهولنديون وضع الجزيرة تحت استعمارهم رسمياً.
عيّن الهولنديون عديداً من المحافظين ليكونوا مسئولين عن الجزيرة، لكن كانت الأعاصير التي تحيط بالجزيرة، وتفشي الأوبئة أحياناً، والمجاعات أحياناً أخرى، كل ذلك كان عائقاً أمام تطويع الجزيرة كما يرغب لها الهولنديون فهجروها تماماً عام 1710.
ورغم الإصرار الهولندي أن الجزيرة كانت فارغة لحظة وصول العرب ثم وصول الهولنديين، فإن نفس المصادر الهولندية تحكي عن قمع قام به الضباط الهولنديون لسكان الجزيرة. فبعد توافد البعثات الهولندية، ووصول الضباط والوجود في الجزيرة عسكرياً، بدأت هولندا عهداً استعمارياً في الجزيرة يقوم على قمع سكانها واعتبارهم عبيداً.
وقام سكان الجزيرة، العبيد كما تسميهم المصادر الأجنبية، بعديد من الثورات وحركات التمرد، لكنها باءت بالفشل جرّاء الاستخدام المفرط للقوة التي كانت تواجه به هولندا تلك الثورات.
بمجرد أن غادر الهولنديون الجزيرة، دخلها الفرنسيون كاستعمار آخر. وضع الفرنسيون أياديهم على الجزيرة لمدة 10 سنوات دون أن يفعلوا شيئاً إلا أن يطلقوا عليها اسم «جزيرة فرنسا» بدلاً من موريشيوس. لكن مع وصول حاكم فرنسي للجزيرة بدأ استغلالها لتكون محطة مهمة لإراحة السفن وتزويدها بالمؤن في رحلتها إلى الهند. ووَقعت الجزيرة بالكامل تحت إدارة شركة الهند الشرقية الفرنسية.
قامت الشركة بإنشاء عدد من المنشآت في الجزيرة، لا يزال بعضها قائماً حتى اليوم مثل بعض المباني الحكومية الرسمية. وحين بدأت حروب نابليون قرر أن تكون الجزيرة منطلقاً للإغارة على السفن البريطانية، واستمرت تلك الغارات حتى عام 1810.
في ذلك العام قررت بريطانيا أن تستأصل ذلك الخطر بدلاً من الاكتفاء بمواجهة السفن الفرنسية التي تنطلق من الجزيرة. فأرسلت بريطانيا بعثة عسكرية قوية للسيطرة على الجزيرة. حاولت القوات البريطانية على مدار عام أن تنتصر على القوات الفرنسية الموجودة في الجزيرة، حتى نجحت في نهاية الأمر وسيطرت على «جزيرة فرنسا».
هبط البريطانيون على الجزيرة بأعداد ضخمة فقضوا على الوجود الفرنسي الكامل، سواء كان عسكرياً أو مدنياً. وحين وُقعت معاهدة عام 1814 أصبحت الجزيرة ملكاً لبريطانيا، فأعادوا لها اسم جزيرة موريشيوس مرة أخرى، وضمن البريطانيون لسكان الجزيرة قدراً من الحرية في ممارسة عاداتهم، والاحتفاظ بتقاليدهم ولهجتهم.
كذلك قام الحكّام البريطانيون للجزيرة ببعض الحركات الإصلاحية، كتعويض أهل الجزيرة عن الأضرار التي لحقتهم من الاحتلال الفرنسي، وكذلك قاموا بإلغاء العبودية في الجزيرة.
لم تستمر الإصلاحات البريطانية طويلاً؛ فقد اكتشفوا أنهم بحاجة ماسة إلى كثير من الأيادي العاملة الرخيصة للعمل في مزارع قصب السكر، التي اشتُهرت بها موريشيوس؛ فبدأ العمل بالسخرة للعودة إلى الواجهة. وبدأت بريطانيا في شحن عشرات الآلاف من العمال من مختلف أنحاء الهند، وباتت الجزيرة نفسها مكاناً لتجارة العمالة البشرية وبيعهم للجزء الأخرى.
استمر الحكم البريطاني للجزيرة ما يزيد على قرن ونصف القرن من الزمان. لكن في تلك الفترة كان الوعي لدى العمال في ازدياد، وكذلك شعورهم بأحقيتهم في المشاركة في خيّرات الجزيرة، وامتلاك السيطرة على حياتهم الشخصية، وتحررهم من قيود السخرة. كلها مشاعر بدأت تشتعل في نفوسهم.
لذلك نشبت مناوشات متعددة بين العمال والعسكر البريطاني، وتأسست عام 1936 أول نقابة للحديث باسم العمال، ونجحت في الحصول على بعض الحقوق المادية البسيطة للعمال. لكنها كانت إشارة للجميع بأن التكاتف والمطالبة بالحق قد يمنحان العمال ما يريدون.
لكن اندلاع الحروب العالمية جعل من الحديث عن الحقوق الفردية أمراً غير مناسب للظرف التاريخي. وبدأت بريطانيا في تجنيد سكان موريشيوس وتحويلهم من عمّال وفلاحين إلى جنود. وكوّنت بريطانيا من موريشيوس كتيبتين. ثم ازداد العدد عام 1943 حتى أطلق بريطانيا عليهم اسم «فوج موريشيوس»، الذي بلغ قوامه قرابة 2000 مقاتل.
حين بات السلاح في أيادي السكان، أدركوا أن اللحظة قد حانت لاقتناص الاستقلال أو الحكم الذاتي لأنفسهم؛ فطالبوا بانتخابات عام 1947 لتأسيس جمعية تشريعية تضع الخطوط العريضة لآليات الحكم في الجزيرة. وبالفعل اكتسح حزب العمال تلك الانتخابات، وطُردت النخبة الفرنسية والبريطانية من مقاليد الحكم. ومنذ تلك اللحظة، قرر السكان ألا يتوقفوا عن المطالبة باستقلال تام عن بريطانيا، وليس مجرد حكم ذاتي مع تبعية للتاج البريطاني.
في عام 1961 وافق البريطانيون على الاستقلال النهائي لموريشيوس. في تلك اللحظة تسامى السكان على اختلافهم. فاتحد حزب العمال مع عبدالرازق محمد رئيس لجنة العمل الإسلامية، إضافة إلى التحالف مع الكتلة الأمامية المستقلة، وهي كتلة تمثل الهندوس. توافقوا جميعاً على الاتحاد للحصول على إعلان رسمي بريطاني باستقلال بلادهم، وعدم الدخول في معارك جانبية أو داخلية في تلك الحقبة الفاصلة.
لذا في عام 1968 أعلنت بريطانيا رسمياً انتهاء حكمها لموريشيوس، مع بقاء التبعية الاسمية لبريطانيا. وتعاقب على الجزيرة عدد من القادة المنتخبين، لكن كانت صلاحياتهم غير كافية. خصوصاً مع اتباع موريشيوس النظام الملكي، رغم أن الحكومة الفعلية والمنتخبة تختار رئيس وزرائها. لكن طمح السكان إلى ما هو أكثر، فقرروا في مارس عام 1992 إعلان قيام الجمهورية رسمياً.
ظل التغيير اسمياً فحسب، فالسلطات في يد رئيس الوزراء، وصلاحيات الرئيس محددوة. لكن في عام 2014 حُل البرلمان للسماح بحدوث تمرير دستوري يتيح المجال لانتخاب رئيس الجمهورية بشكل مباشر. ويعتري النظام السياسي في موريشيوس ما يعتري الأنظمة السياسية في غالبية دول العالم. فترات من الإصلاح، ثم فترات من التراجع وانتشار الفساد.
لكن صغر حجم الجزيرة وقلة عدد سكانها يجعل الشعور العام بتلك المشاكل أقل من شعور بقية دول العالم بمشاكلهم. فعدد السكان قد بلغ عام 2017 قرابة 1.7 مليون نسمة. ومساحة الجزيرة تزيد على 2000 كيلو متر. ليست المساحة ولا عدد السكان هما ما يميزان تلك الجزيرة حالياً، بل التنوع العرقي والتناغم البشري.
تحتضن موريشيوس ثلاث ديانات أساسية هي الإسلام والمسيحية والهندوسية. ويتحدث سكانها بنسبة متوازنة بأربع لغات هي: الإنجليزية والفرنسية والهندية، ولغتهم الأصلية وهي الكريول. ويتعاملون بالروبية، وترتفع نسبة متوسط الأعمار لتصل إلى 70 عاماً للذكور، و77 عاماً للإناث.
كما تقع في المركز 49 من 189 دولة طبقاً لتصنيف البنك الدولي على مستوى العالم في سهولة إجراء الأعمال فيها. ومن حيث حرية الاقتصاد تحتل موريشيوس المركز الثامن عالمياً. لتصبح بذلك مثالاً للمعجزة الاقتصادية في النمو المالي، والتحول من جزيرة مهجورة ثم إلى ثكنة عسكرية وبعدها إلى مستوطنة عبيد، إلى دولة ذات سيادة ونمو اقتصادي تاريخي. كما تُعد مثالاً عالمياً في التنوع العرقي واحتضان أكبر قدر من الثقافات، ومعاملتهم جميعاً على قدم المساواة.